الحياة مليئة في القرارات فلا يكاد يمر يوم إلا ونتخذ فيه مجموعة من القرارات في أبسط الصور فمثلا قد نقرر أن نشرب قهوة أو نسكافية في الصباح أو نقرر ماذا نلبس حينما نذهب للعمل , أو حتى نقرر ماذا نشتري عندما نذهب للسوق وهذه العملية ليست حديثة السن إنما تراكمية تبدأ منذ الطفولة بأكل التفاحة أو الموز وحتى يكبر العمر وتكبر القرارات.
تحمل مسؤولية القرار
شجاعة إتخاذ القرارات مهمة جدا في بناء وصقل الشخصية والثقة , وتحمل مسؤولية القرار مهما حدث , لأن هذا الإرث يساعدك دوما في إتخاذ قرارات مستقبلية ويعزز الثقة بالنفس , نعم يمكننا إستشارة البعض وبالتأكيد سيقوموا بتقديم النصيحة والحث لما يرونه صحيح , وقد يكون ما يرونه نابع من رؤيتهم الشخصية , وهذه الرؤية لا تتوافق مع رؤيتك أو مايصلح لك دائما , فقد ينصح أحدهم بدخول كلية ما أو الزواج بفتاة معينة , قد ينصحك بمبدأ المحبة والأفضل لك , ولكن ليس من الشرط أن هذا يوافق ما تريد أو ما يناسبك , لذلك علينا دائما أن يكون لنا حيز الإستقلالية وتحمل المسؤولية في القرار مهما حدث.
شبح القرارات “المصيرية”
مع مرور الوقت قد نصل إلى قرارات تمثل مفرق طرق , ونظن في تلك اللحظات أن القرار “مصيري” والحقيقة أنه مصيري في تلك اللحظة فقط فعلى سبيل المثال , عند إنهاء المرحلة الثانوية نأتي لإختيار التخصص الجامعي فترى الكثير من الطلاب يظن أن حياته سترتكز على هذا القرار ولكن هذا الأمر عار من الصحة , فكم من مهندس لم يعمل بمهنته , وعندما تمر بنا الحياة سندرك في الأغلب أن هذا الأمر كان قرار بسيط مقارنة فيما نعيشه الأن.
لكل قرار تضحيات
نعم ليس هناك قرار يعطيك كل مطالبك وما تريد وإلا لم يعد قرارا , فمثلاقد نكون أمام خيار وظيفة راتبها عالي ولكنها تحتاج إلى جهد كبير أو أنها في منطقة بعيده عن مكان السكن بالمقارنة بوظيفة براتب أقل ولكنها قريبة ولا تحتاج إلى ذلك الجهد !
[divider]
خطوات تساعدني على إتخاذ القرار :
– تحييد العاطفة والتخلص من قيود الضغط
إدخال العاطفة في القرار يؤدي غالبا إلى قرار غير صحيح , لأن العاطفة تكون وقتية وتختلف مع مرور الوقت , فعلى سبيل المثال أن يضغط الأب على إبنه لدخول كلية ما قد يرى فيها الصالح له , هنا ضغط الأب لما يرى من وجهة نظره من مصلحة ولده , ولكن مسؤولية القرار هي للإبن لأنه هو من سيعيش التبعات , من الأفضل تحييد العاطفة والإبتعاد قدر الإمكان عن أي مكان أو وقت يجعلنا تحت الضغط ,فيفضل الإنعزال لفترة إتخاذ القرار.
– الوقت الكافي
إستمثر الوقت الكافي المتوفر لإتخاذ القرار , ولا يعني هذا المماطلة وزيادة الحيرة , وإنما الوقت الكافي المتاح لدراسة القرار , واخذ المعلومات اللازمة , قد نحتاج إلى إتخاذ قرار سريع في بعض الأحيان , وهذا كأي شيء مع التمرس في أخذ القرارات , فمثلا المدراء التنفيذيون يتخذون قرارات ب 10% من المعلومات فقط !
– ابحث عن خيارات أكثر
قد نظن أن تعدد الخيارات يزيد الحيرة , ولكن هذا الأمر صحي جدا بل علينا البحث عن كل خياراتنا المتاحة , لأن زيادة الخيارات يعطينا مدى جيد لإتخاذ قرار أفضل , عكس المجبر على قرار معين فهو لا يملك غيره , صحيح انه لن يتعب التفكير ولكن ليس دائما هو الأفضل , بينما البحث عن خيارات وتنوعها يضيف الكثير وقد يكون هناك مواءمة بين الخيارات وخطوط رجعة كذلك.
– الإستشارة
ما خاب من إستشار , الإستشارة تعطي رؤية على تجارب أخرين وتكشف الضوء عن نقاط ربما تخفى عنا , ولكن هي بالنهاية ليست تحديد للقرارة , وإنما تثري النقاط وتوضحها فعلى سبيل المثال عندما نقرر الدراسة مع العمل , يمكننا سؤال من قام بالتجربة لنعرف مدى صعوبة الخطوة من عدمها , ولكن هنا يجب إختيار الشخص المناسب وليس أي ما كان يستشار , فهناك “أبو العريف” الذي دائما ما يعطي النصائح لمجرد إعطاء النصيحة , بالمقابل هناك من يعطي الإستشارة بناء على خبرة أو تجربة أو علم.
– دراسة النقاط الإيجابية والسلبية
كما ذكرنا ليس هناك قرار كامل , في النهاية لكل قرار الإيجابيات والسلبيات الخاصة به , يمكنك تقليص هذه الطريقة تساعدك في تحديد خياراتك وحصرها , وهنا ينبغي أن نكون حيادين قدر الإمكان ونبتعد عن العاطفة كما ذكرنا التي تؤثر على حيادية الأمر.
– الخطة الإستراتيجية
إذا لم تضع لنفسك خطة إستراتيجية فلتفعل لأن ذلك سيساعدك كثيرا في إتخاذ القرار الذي يدعم خطتك دائما , ولتوضيح الأمر نفرض أن شخصا ما يود الذهاب إلى العاصمة واشنطن سواء كان ذاهبا بالطائرة أو السفينة أو حتى مشيا على الأقدم فإنه على الأغلب سيصل إلى هناك , بينما عدم تحديد المكان المراد سيؤدي إلى التشتت والنزول في أي مكان , فأنت عندما لا تضع أهداف وخطط , فإنك ستقع في خطط وأهداف الأخرين , وهنا يمكنك دائما بناء قرارك على خطتك البعيدة , فمثلا يريد أحدنا أن يصبح بروفسورا في جامعة , فعليه دائما أن يقرر قرارات تساعده على الوصول إلى ذلك كدراسة الماجستير والبحث عن منح ونحو ذلك .
– القيم
أمر مهم جدا , فيجب أن لا يخالف القرار مهما كانت نتائجه المرجوة القيم التي تبني الشخصية , فقد تكون هناك وظيفة براتب عالي جدا ولكن تحتاج إلى الكذب والتملق ونحو ذلك وهذه قيمة أساسية , فعليه يمكننا تجنب خيارات ولو كانت مغرية إذا كانت تتعارض مع القيم التي نتبناها.
– لا تحرق كل سفنك
نعم فكرة خاطئة أن نقوم بحرق كل خطوط الرجعة كما حال المقولة التي لا أعتقد أنها صحيحه ونسبت إلى طارق ابن زياد والذي قام بحرق كل السفن لكي يواجه العدو “البحر من خلفكم والعدو من أمامكم” , فمثلا تجد البعض عندما يقرر ترك عمله يقوم بعمل مشكلة أو لا ينهي عمله بطريقة لبقة تبقي له خط رجعة , أو أثر جيد , وإنما يمكننا أن نتخذ قرار بالإستقالة وترك العمل بطريقة تبقي حس وأثر جيد لإمكان العودة.
– ما أسوأ شيء يمكن أن يحدث ؟
هذا السؤال مهم جدا لحسم القرارات في حال حصر الخيارات فهنا يمكن تخيل أسوأ الإحتمالات لو إتخذت القرار الفلاني وبالتالي إختيار الأقل ضررا أو إختيار القرار الذي يمكن تحمل تبعاته.
– ماذا أحب ؟
قد يكون للحب دلالة مهمة وليس القصد هنا العاطفة وإنما الحب الذي يمكن أن يكون دافعا مهما في النتائج , مثال أن أحدهم يحب مجال الحاسوب والبرمجة ويرى أنه يمكن أن يجلس ساعات طويلة دون ملل ولا كلل في هذا المجال , لماذا عليه أن يدخل هندسة مدنية ؟ , هناك دلالة وتعلق بهذا المجال تساعد في تحقيق الهدف المرجو.
– الإستخارة
الكثير يفهم هذا البند بشكل خاطيء , فيقوم بأداء الإستخارة على قرار معين ثم يستيقظ ويقول “لم أشعر بالراحة للقرار أشعر بعدم طمأنينة” والحقيقة هذا فهم خاطيء , الإستخارة هي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وإذا ما عزمت أن تؤديها أن تؤديها وكأن الأسباب التي أخذتها لا شيء , والمعنى هنا إذا عزمت وإتخذت قرار فإستخير ثم نفذ القرار بأقصى ما يمكنك , وفي حال منعك وعدم قدرتك على تنفيذ القرار فاعلم أن هناك عارض حال بينك وبين ما تسعى إليه , ولعل ذلك خيرا كثيرا.
ماذا عن القرار الخاطيء :
عندما نسير في القرار الذي إتخذناه ونكتشف في نهاية المطاف أن الإستمرار سيؤدي إلى فشل , فعلينا فورا إتخاذ الخطوات البديلة والإستفادة من خطوط الرجعة , وهذا لا يتعارض مع الإصرار , الإصرار يعني أن هناك هدف واضح في نهاية الأمر , أما أن يكون هناك فشل أكيد في نهاية الأمر فالأفضل الإنسحاب من هذه النقطة ومثال ذلك أن يقرر إثنان الزواج ويكتشفو في فترة الخطوبة أنهم لم يحققوا ولن يتوافقو فلا داعي للإستمرار والفشل في مرحلة أعقد من المرحلة الحالية
[divider]
كانت هذه نقاط آمل أن تكون مفتاح تساعد في إتخاذ قرارات أفضل , ونصيحتي في أي قرار تتخذه أن يكون ضمن خطتك الإستراتيجية وأن يجمع بين صلاح الدنيا والآخرة وأن لا تكون حساباتك حسابات آنانية فقط بل أن يكون للآخرين جزء في حساباتك
تقبلو التحيات إلى تدوينة أخرى